القائمة الرئيسية

الصفحات

[LastPost]

صفية وإشتياق عبدالعزيز

أنهت صفية امتحانات الجامعة في أوائل شهر يوليو ، ومع اشتداد الحر قررت عائلتها الذهاب للمصيف ، هذه السنة ذهبوا لشرم الشيخ ، كنوع من التغيير بدل العين السخنة . من نافذة السيارة أخذت صفية تفكر في عبد العزيز جارهم الوسيم ، الذي مال قلبه لها ، وأمال قلبها إليه ، منذ الصيف الماضي عندما تقابلت في بهو العمارة الفخمة التي تقع في المعادي ، كان يميل بعينه كما تميل الورقة تحت تأثير العاصفة ، ابتسم لها فخجلت ثم ذهبت في طريقها . توالت الأيام هكذا بين نظرات منه وخجل منها ، وفي يوم من هذه الأيام اقترب منها هامسا : أحبك .. يا مجهولة الاسم ، أخبريني اسمك وداوي قلبي الملهوف للقائك يا حبي . صفية بابتسامة منقبضة وحمرة الخجل تزين وجهها الرفيع : اسمي صفية . عبد العزيز : أما أنا فعبد العزيز جاركم يا صفية قلبي المختارة . جاء الليل واشتاق عبد العزيز لرؤية صفية فأخذه الحنين لطرقات شارعهم ، نزل لاستنشاق الهواء في ليل رطب ، وهبوب رياح خفيفة ، حدّث نفسه : أحبها ولا أراها كثيرا ، يا ترى هل تحبني وتشعر بنبضاتي التي تحن إليها ؟ مثلت صورتها أمام عينيه وهو يتهادى في طريقه ، صفية ذات الشعر الأسود وخصلات بنية اللون تمتزج معه ، ووجهها الرفيع الأسمر ، كأنها ملكة فرعونية متوجة ، تقبع جالسة على عرش ملكها في أوج سلطانه . هطلت الأمطار الخفيفة عليه وأخذ يهرول ناحية الرصيف ليحتمي به قائلا : عندما تذكرتك صفية هطلت أمطار قلبي شوقا لك حبيبتي ركض عبد العزيز على الرصيف بتمايل يليق بمرونة جسده الرشيق وهو يغني : وحبيبتي هناك تنافس القمر ، حتى وهي تغطي وجهها بستار ، لا تخجلي حبيبتي يا من تشبهين القمر ، فحبيبك هنا تحت المطر . من الشرفة تطلعت صفية للأمطار ، عندها كانت تكتب خواطرها التي أنهتها بكلمة : وهل يغادر قلبي هذا الفارس ؟ ليكون لقلب أخرى أسير ؟ شهر في هيام وغرام و عشق بالأعين والنظرات والهمسات ، من بعيد لبعيد ، حتى ابتعد عنها عبد العزيز ولم يعد حتى يقول لها : صباحك جوري حبيبتي . في شرفة منزلها كانت تنتظره بالساعات وفي يدها باقة الياسمين ، تستنشقها وتحن له ، فتأمل أن تراه ويتغزل قلبها في ملامحه ، لكن الوقت يمر دون توقف وهذا الحبيب لا يظهر إلا من وراء حجاب ، كأنه يتحدى حبها بقول واحد : لن تريني بعد الآن ، فقد حان وقت الوداع ! أرسلت صفية سلامات براحة اليد ودمعاتها على الخد ، ولما رأته يحكم إغلاق النافذة ، تبعثر قلبها على شريط الأيام . تخلص عبد العزيز من توتره بعد أن أغلق النافذة ، وأظهر نبرة سعادة بسيطة وحدث نفسه : لم يعد لصفية مكان في القلب ، وعليّ أن لا أورطها بالحب أكثر من هذا . لمح قبلتها له في الهواء فتكدر وجهه نادما على هذا الحب الذي تسرع فيه ووضع يده قرب قلبه : نادين هي حبيبتي ، وأنت صفية مجرد ذكرى عابرة في دفتر أيامي . حاولت أن تلتقيه في البهو كالعادة لكنه كان يتهرب منها ، ويتجه بوجهه للناحية الأخرى كما لو كان لا يعرفها ، ولم يحبها قلبه في يوم من الأيام وآخر مرة قال لها : صفية .. لم يعد قلبي يحبك صدقيني ، لن أخادعك وأقول أن هواك في قلبي ، بل كنت وما مضى قد مضى . نهرته صفية : حتى في الحب يا عبد العزيز ؟! يقول عبد العزيز وهو مبتعد : في كل شيء عزيزتي ، فالحياة تمضي والمشاعر تتبدل . وفي صبيحة يوم العيد رأته يسير خلف نادين ويضحك هاتفا : أحبك نادين .. أحبك بحجم بعد السماء عن الأرض . هذه الذكريات أضحكتها وأبكتها لدرجة أن دموعها سالت ، وفاضت على حجاب رأسها الذي ارتدته منذ أيام قليلة مضت ، مسحت صفية دموعها بمنديل ورقي معطر ، ثم تنهدت وفي سرها قالت : أواه يا حبيبي يا من فارقته رغم حبي ، قلبي يحبك ولكن قلبك يحب أخرى ، فكيف أكون لك وأنت لأخرى . بصوت شجي غنت : أدمع باكية على حب مضى قسوة خداع لقلبي الذي اكتوى يخادعني وأنا الحبيبة ويلاطف غيري و تكون له قريبة يا قلب لا تميل لهواه ودعه بين جنبات النسيان ليكون ذكرى تنسيك الاشتياق بعد ما فارقتني بأليم الفراق في المعادي تعالت ضحكات عبد العزيز مع زوجته نادين ، التي توقفت عن الضحك فجأة ، وسألته : ما أغرب هذا الحب يا زوجي الحبيب ، إنه قربني منك وأنت كنت أبعد الناس عني ، فأصبحت الآن أقربهم لقلبي وروحي . هنا تأزم قلب عبد العزيز عندما تذكر حبه لصفية أو الذي كان يعتقده كذلك ، وتنهد بكل قوة : هكذا هي الحياة نادين ، نرى الحب ونعيشه كل يوم ، وفجأة نكتشف أنه ليس الحب الحقيقي ، بل علينا أن نبحث عن حبنا بعقولنا وقلوبنا حتى نجده أو يجدنا ! رسمت آمال أخت صفية صورة قلب على رمال الشاطئ بخفة ومهارة ، ثم وضعت حرفها وحرف زوجها في منتصف القلب تماما ، ونظرت لبعيد فوجدت صفية في المنزل بشعرها شاردة وواجمة ، مما أربك آمال التي تمردت على صمتها قائلة : مسكينة صفية أنت وقلبك الذي تحطم بسبب مختل يدعى الحب . ارتدت صفية الحجاب وركضت نحو البحر متخطية آمال وغير عابئة بها ، وكل ما يدور في خلدها الآن : لو سبحت في البحر هل تموت ذكرى حبيبي ؟ هناك على شاطئ البحر وقفت صفية تناجي البحر بلوعة المنهزم ، الذي يخوض معركته رغم الجرح النافذ : أميل إلى موجاتك في الليل وإلى هدوء دقاتك يا بحر ، هل رأيت حبيبي الذي خان حبي وباع قلبي بثمن بخس ، لو رأيته أخبره أن قلبي مات من بعده ، ولُعن حبه ودفن سره في غياهب من حديد ونار ، وذكرياته أصبحت حطاما على مرسى قلبي .

تعليقات